تنزيل كامل الفصل
 
نصوص بيئية نموذجية
مشكلة البيئة يحلها القانون الرادع لا الزبالون
 
نجيب صعب /

من يحلّ مشكلة البيئة: متطوعون يجمعون النفايات ويزرعون الأشجار، أم سلطة تضع القوانين وتفرض تطبيقها؟

هذا السؤال يحضرنا كلما سمعنا عن حملة يقوم بها متطوّعون لجمع النفايات وتنظيف الشواطئ أو غرس الأشجار، وهي أعمال جليلة ومشكورة، تعبّر عن حسّ اجتماعي مرهف. لكن النفايات لا تلبث أن تعود بعد أيام، في انتظار حملة تنظيف ثانية. والأشجار لا تلبث أن تذبل وتموت، في غياب الرعاية المستمرة، التي هي من مهمات المؤسسات العامة لا المتطوعين.

وان مشاركة مسؤولين حكوميين في حملات تطوعية، تحت عدسات الكاميرا، لغرس شجرة في ساحة هنا أو التقاط زجاجة فارغة على شاطئ هناك، لا تعفيهم من مهمتهم الأساسية في التشريع وتطبيق القانون.

انتشار النفايات في الطبيعة والأماكن العامة ناتج من ثلاثة مصادر رئيسية: المكبات العشوائية التي تقيمها البلديات، وفضلات مصانع صغيرة وكبيرة، ناهيك عما يرميه الأفراد أثناء نزهة على شاطئ أو رحلة عبر الجبال. الحل في قوانين لتقليل كمية النفايات ومعالجتها من خلال برامج متكاملة، وفي فرض أساليب الانتاج الأنظف على الصناعة لتخفيف الملوثات ووضع قيود تحدد كيفية التخلص من الفضلات. أما التصرف الفردي في رمي النفايات على الشواطئ وفي الطبيعة وعلى الطرقات، فمعالجته تكون في تطبيق عقوبات رادعة، من الغرامات الفورية الى السجن.

كلما انتقلت صباحاً في السيارة الى مكتبي، عبر أحدث شارع في بيروت، يلفتني عمال تنظيف ينتشلون عن جوانب الطريق، بملاقط خاصة، النفايات المرمية من نوافذ السيارات في اليوم السابق. وأتساءل: هل نحن في حاجة الى عمال يجمعون النفايات أم الى رجال شرطة يعاقبون أولئك الذين يرمونها في الأماكن العامة؟ في المناسبة، على طريق “الرينغ” نفسها في وسط بيروت، حيث السرعة القصوى 50 كيلومتراً في الساعة، حوادث يومية وسط نفق يصرّ السائقون على عبوره كأنهم على حلبة لسباق السيارات، فيرتطمون بالجدران يميناً ويساراً، وتعمل ورشة دائمة على إصلاح الأضرار في قطع الرخام، في حين لا نشاهد شرطياً يحفظ السرعة أو كاميرا تصوّر المخالفين لمعاقبتهم وردعهم.

أما حملات التشجير الفولكلورية التي يقوم بها متطوعون وترعاها شركات، بعضها من كبار الملوِّثين، فينحصر اخضرارها أمام عدسات آلات التصوير، اذ ان العناية بالاحراج مهمة يومية تحتاج الى رقابة متخصصة وعمال دائمين. ومن آخر البدع محاولة تلزيم أعمال التحريج على مستوى البلاد الى القطاع الخاص، بدل تفعيل المؤسسات العامة المختصة، وهي وحدها القادرة على تولي هذه المهمات في المدى البعيد.

ومن أطرف حملات التشجير التي نفذها متطوعون واحدة موّلتها شركة لتعبئة المرطبات، تشجّع زبائنها على رمي العبوات الفارغة وعدم اعادة استعمالها، من خلال حملة اعلانية متوحشة بدأت بشعار “اشربها ولا تردّها”، وانتهت بشعار “لا تردّها ولا تبدّلها”. وعلى الرغم من هذا، دخلت كشريك في برنامج ذي عنوان بيئي، يحمل اسم إحدى هيئات الأمم المتحدة.

العمل التطوّعي مهمّ جدّاً لرعاية البيئة. وقد أطلقت مجلة “البيئة والتنمية” حملة في المدارس العربية شعارها “البيئة الأفضل تبدأ بك أنت”. لكن هذا لا يعفي السلطات الرسمية من مسؤوليتها في وضع القوانين وتطبيقها. فماذا ينفع غرس ألف شجرة، إذا سمحت السلطات بجرف مليون شجرة أو حرقها؟ وماذا ينفع جمع ألف كيس نفايات عن الشاطئ، إذا أبقت السلطات مكبات النفايات أكواماً تجرفها أمواج البحر وتقذفها على كل شاطئ؟ وماذا ينفع التقاط بضع أوراق وسخة يجمعها عمال التنظيفات على جنبات الطرقات يومياً، ما دام لا قانون يطبّق لمعاقبة الملوِّثين؟

العمل الشخصي لا يكفي وحده لرعاية البيئة. فهو لا يحقّق أهدافه إلاّ حين تتحول جماعات البيئة الى قوة ضاغطة، تفرض وضع القوانين وتطبيقها.

عندما كان كلاوس توبفر، المدير التنفيذي السابق لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وزيراً للبيئة في ألمانيا، قفز يوماً في أحد مجاري نهر الراين، أمام عدسات الكاميرات، وسبح من ضفة الى أخرى. كان النهر يعاني تلوّثاً مصدره أحد المصانع، فمنع الوزير الألماني المصنع من متابعة التلويث وأجبره على تنظيف النهر، وبعد ذلك قفز الى مياهه أمام الكاميرا لبثّ الثقة في الناس. لم يأتِ على رأس مجموعة متطوّعين لالتقاط بعض النفايات عن ضفاف النهر في حفلة استعراضية، بل قام بالعمل المطلوب منه. وبعد ذلك فقط استدعى المصوِّرين. أما المشاريع عندنا فغالباً ما تبدأ وتنتهي في حفلات “الإطلاق”.

نحن في حاجة الى مسؤول يضع القوانين وسلطة تنفذها وتردع المخالفين، لا إلى مزيد من عمال جمع النفايات.

 
 
 
العودة
نشاطات مدرسية
إختبر معلوماتك
مسرحيات
و أغاني
افلام
وثائقية
بوستر
للطباعة
إختبارات بيئية
         
  © Albiaa 2012 By Activeweb ME