تربية بيئية لتحقيق التنمية المستدامة
الاتفاق الدولي على أهداف محددة للتنمية المستدامة وإقرار اتفاقية باريس للتغيّر المناخي عام 2015 شكّلا تحوّلاً جذرياً في مسار العمل البيئي. التربية البيئية تُعنى بالمحتوى البيئي
في أهداف التنمية المستدامة، لكن لم يعد ممكناً اليوم فصلها عن البعدين الاجتماعي والاقتصادي في هذه الأهداف، التي أصبحت وحدة متكاملة. كما أن اتفاقية باريس المناخية
وضعت خطة مترابطة للحدّ من التغيّر المناخي والتصدي لآثاره، استناداً إلى حقائق علمية راسخة. ومع هذه التحوّلات، أصبح هناك قبول بمفاهيم جديدة، مثل «البصمة البيئية»،
التي تدرس أثر النشاط الإنساني وأنماط الاستهلاك على الموارد الطبيعية، سعياً إلى تحقيق التوازن وتأمين الاستدامة. ومن أجل تحقيق أهداف التنمية بحلول سنة 2030 ، بما فيها
التصدي للتغيّر المناخي، مع الحفاظ على التوازن البيئي، ظهر «الاقتصاد الأخضر»، كمفهوم جديد في الاستثمارات والتمويل، يقوم على الاستفادة من موارد الطبيعة من دون
استنزاف، أي مع حفظ قدرتها على التجدّد.
ظهور هذه المفاهيم الجديدة، والتغيّرات المتسارعة في وضع البيئة خلال السنوات الأخيرة، جعلت من الواجب دمجها في برامج التربية البيئية. لهذا عمد المنتدى العربي للبيئة والتنمية
(أفد) إلى إعداد هذا الدليل، عن المعلومات والنشاطات البيئية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، تعبيراً عن التحوّلات الجديدة.
وكان هذا المشروع التربوي، الذي انطلق عام 1998 مع مجلة «البيئة والتنمية»، بدأ من مفهوم بيئي عام، قبل أن يتبناه المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، ليتوسع اهتمامه إلى
البيئة والتنمية على نحو أشملوتجسد هذا في دليل «البيئة في المدرسة»، الذي صدر مطبوعاً وإلكترونياً عام 2012. ويأتي الدليل الجديد تجسيداً للمرحلة الثالثة، حيث التركيز
على المحتوى البيئي في أهداف التنمية المستدامة، والترابط فيما بين هذه الأهداف.
هذا الدليل يستجيب لحاجة ملحة إلى مرجع علمي وعملي موثوق للعمل البيئي في المدارس. وهو دليل شامل موجَّه إلى الأساتذة والطلاب عموماً، للمساعدة في تطوير برامج
ونشاطات وإنشاء أندية بيئية فاعلة في المدارس، تعمل على تعزيز الوعي والسلوك البيئيين لديها. ولا يكتفي الدليل بعرض أحدث الحقائق العلمية عن التحديات البيئية في الدول
العربية، بل يحتوي على معلومات وتدريبات ورسوم وأدوات إيضاح سمعية وبصرية، لتحويل التعليم البيئي إلى متعة.
أطلقت مجلة «البيئة والتنمية» عام 1998 برنامجاً للتدريب البيئي في المدارس، كان نواتَه كتابٌ بعنوان «دليل النشاطات للنوادي البيئية المدرسية»، أعدّه فريق تحرير المجلة،
وصدرت منه طبعات خاصة في لبنان وسوريةوالإمارات والجزائر، واستُخدم كمرجع لتطوير برامج بيئية في كثير من الدول. وقد كان للدليل وبرامج التدريب والتوعية التي
تولتها مجلة «البيئة والتنمية» الأثر الكبير في إنشاء مئات النوادي البيئية المدرسية وإدخال البيئة في المناهج التعليمية خلال العقدين الأخيرين.
ولما كانت البيئة مجموعة من العلوم والمعارف تتطور باستمرار، برزت الحاجة الى مرجع جديد للتعليم البيئي يعتمد على أحدث المعلومات، كما يستخدم آخر ما توصلت اليه
تكنولوجيا الاتصالات. لذا تمَّ إنجاز هذا الكتاب، الذي عمل فريق مجلة «البيئة والتنمية» والمنتدى العربي للبيئة والتنمية ومجموعة من الخبراء على إعداده. وقد استند في معلوماته
إلى تقارير المنتدى العربي للبيئة والتنمية السنوية عن وضع البيئة العربية، التي أصبحت المرجع الأكثر شمولية ومصداقية عن حال البيئة في البلدان العربية. كما استند إلى الأرشيف
الغني بالمعلومات والصور لمجلة «البيئة والتنمية».
إذ يتناول الدليل التحديات البيئية الكبرى في المنطقة، فهو يربطها بالقضايا البيئية العالمية التي وُضعت على جدول أعمال المجتمع الدولي في العقود الأخيرة، من تغير المناخ
الى زوال الغابات والتصحر وتدهور المناطق الساحلية وتلوث الهواء وسوء إدارة المياه والنفايات. كما أنه يغطي قضايا مستجدة، مثل البصمة البيئية والاقتصاد الأخضر
وأهداف التنمية المستدامة. يبدأ كل فصل بالحقائق والأرقام المعززة بالصور الإيضاحية، ليصل الى
اقتراح مجموعة من التصرفات الفردية التي يمكن أن تساهم في حل المشكلة، وتمارين عملية إيضاحية يمكن تطبيقها في الصف وخارجه. ولمساعدة المدارس في إيصال
الرسائل البيئية الصحيحة، فقد تم إعداد مجموعة من اللوحات العلمية المصورة عن المواضيع التي يعرضها الدليل، يمكن تنزيلها عن الانترنت واستخدامها داخل الصف
أو في معارض مختصة. هذا إلى جانب سلسلة من الأفلام الوثائقية التعليمية عن المواضيع المطروحة، يمكن أيضاً تنزيلها عن الانترنت. ومن المواد الملحقة بالدليل
مسرحياتٌ وأغانٍ بيئية توجيهية أعدَّها الطلاب، وهي جميعاً متاحة على «يوتيوب».
هذا الدليل مرجع توجيهي، القصدُ منه توفيرُ معلومات أساسية تساعد على استكشاف البيئة وأداء دور إيجابي في هذا المضمار. وهو يرمي الى مساعدة المعلمين والطلاب في
فهم المبادئ البيئية الأساسية والعلاقات بين الناس والنظم الاجتماعية والنظم الطبيعية، وإلى تزويد المعلمين بمواد مرجعية مباشرة وبخطط لتنظيم الدروس والنشاطات
في الصفوف، وإلى توجيه الأندية في المدارس نحو تنظيم المشاريع البيئية وتنفيذها في المدرسة وجوارها. كما يمكن استخدامه لادخال مواضيع البيئة في المناهج.
لقد جرى تنسيق مواد الدليل، بحيث تشكل أدوات تتمكن المدارس من استخدامها وتكرارها خلال السنوات المقبلة بحدّ أدنى من الدعم الخارجي. وإذ يركز الدليل على الأفكار
والتصرفات الوقائية والاصلاحية، فهو يدعو الطلاب الى ممارسة أعمال إيجابية عن طريق المشاركة والعمل الميداني.
الادارة البيئية هي إحدى الحاجات الملحّة لتحقيق التنمية المستدامة التي تؤمّن احتياجات الحاضر وتحفظ، في الوقت ذاته، حقوق أجيال المستقبل. وهناك حاجة الى مشاركة
فعالة من جميع المواطنين لبلوغ هذا الهدف، إذ ان لكل مواطن دوراً يجب أن يقوم به على المستوى المحلي حيث يعيش، بغية الاسهام في تحسين البيئة في الوطن والمنطقة
والعالم. والقلق الذي يساور الصغار والشباب هو عنصر رئيسي في إيقاظ الوعي البيئي، الذي يمكن نشره بين الأهل من خلال الطلاب. لكن الوعي وحده لا يكفي، إذ لا بد
أن يتحول الى تغيير في السياسات وعمل على مستوى الحكومات، التي يعود اليها إدخال البيئة في المناهج التعليمية وتحويلها الى التزام وطني ينعكس في جميع الخطط
الاقتصادية والاجتماعية.
هذا الدليل تجسيد لإيمان «أفد» بأنه لكي نربح معركة المستقبل علينا أن نربح معركة الجيل الجديد.
نجيب صعب
الأمين العام
المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)