قضايا البيئة هي أولويات هذا العصر، من ندرة المياه وتلوث الهواء الى تغير المناخ والتصحر، ومن جبال النفايات وكوارث الحروب الى التلوث الإشعاعي وانقراض الكائنات. ومع أن الاهتمام الرسمي الجدي بهذه القضايا ما زال في بداياته في المنطقة العربية، إلا أنه في صلب اهتمامات المدارس، والطلاب بشكل خاص، الذين يقبلون بحماسة على الانخراط في نشاطات بيئية ضمن الدوام المدرسي أو خارجه. ولقد شجعت «مجلة البيئة والتنمية» والمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) الحركة البيئية المدرسية لإيمانهما بأن الأفكار البيئية هي الأوسع انتشاراً لدى الجيل الجديد.
ولئن تكن البيئة مدرجة اليوم في المناهج الدراسية في البلدان العربية بشكل أو بآخر، فان المضمون البيئي في هذه المناهج ما زال محدوداً، والكتب والمراجع البيئية العربية قليلة. لذلك أصدرت «البيئة والتنمية» مجموعة كتب للقراء من مختلف الأعمار، لتكون نواة مكتبة بيئية يرجع اليها الأساتذة والطلاب في مناهجهم وأبحاثهم. وأصدرت عام 1999 «دليل النشاطات للنوادي البيئية المدرسية» الذي أنتجت منه طبعات خاصة لبلدان عربية مختلفة، منها الإمارات وسورية والجزائر. كما أعد قسم البحث والتدريب في المجلة برنامجاً خاصاً لتدريب المعلمين على التربية البيئية تم تطبيقه في مئات المدارس العربية. وفي 2012 أصدرت المجلة والمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) كتاب «البيئة في المدرسة: دليل المعلومات والنشاطات البيئية» الذي تم اعتماده في المدارس ونظمت على أساسه دورات تدريبية على التربية البيئية لآلاف المعلمين، وأنشئت بإرشاداته مئات النوادي البيئية المدرسية.
«الدليل البيئي للمدارس العربية: التربية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة» يأتي الآن تلبية لحاجة المدارس العربية الى مرجع موثوق باللغة العربية، تبنى على أساسه مناهج تعليمية بيئية لجميع المراحل الدراسية، وتُستمد منه نشاطات صفِّيَّة وميدانية هادفة، وتقام على أساسه نوادٍ مدرسية تهتم بنشر الوعي والعمل البيئي لدى الطلاب، وصولاً الى أهاليهم ومجتمعاتهم. وذلك بتركيز خاص على «أهداف التنمية المستدامة» التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2015 ويتوجب على جميع بلدان العالم السعي إلى تحقيقها بحلول سنة 2030.
يستند هذا الدليل الى معلومات موثَّقة وتقارير خبراء بارزين ومنظمات عربية ودولية معنية بالبيئة، بما في ذلك تقرير «توقعات البيئة العالمية» السادس (GEO-6) الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2019. كما يستند إلى أحدث الأرقام والبيانات التي تضمنتها التقارير السنوية للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) حول وضع البيئة العربية. وقام بجمع مواد الدليل وتبويبها وصياغتها ومراجعتها وتحريرها فريق من الاختصاصيين.
يبدأ الدليل بعرض تمهيدي لمبادئ التربية البيئية وأهدافها وأساليبها، مع برنامج لدورة تدريبية نموذجية لمعلمي المدارس. ويقدم الى المدارس الراغبة في إنشاء نادٍ بيئي شرحاً لمراحل التأسيس وقواعد الانتساب والانتخاب والاجتماعات والنشاطات والدعم المعنوي والمادي للنادي.
يحوي الدليل ثلاثة عشر فصلاً تتناول القضايا البيئية الرئيسية. يبدأ كل فصل بمقدمة قصيرة توجز القضية التي يتناولها. أما المضمون فتم تبويبه في أربعة أقسام: (1) معلومات عامة وحقائق وأرقام عن المشكلة البيئية المطروحة، (2) سلوكيات شخصية مسؤولة في الحياة اليومية للمساهمة في حل هذه المشكلة، (3) اختبار للمعلومات، (4) نشاطات تطبيقية يمكن القيام بها في المدرسة. وتتخلل هذه الأقسام نشاطات نموذجية قام بها طلاب المدارس فعلاً في بلدان عربية مختلفة، تم اختيارها من مجموعة نشاطات أنجزت خلال السنوات العشر الماضية، ويمكن اقتباسها وتكرارها في مدارس أخرى. كما تم إدراج مواقع مفيدة على الإنترنت يمكن الرجوع اليها لمعلومات إضافية عن الموضوع. وفي نهاية كل فصل «بوستر» يتضمن معلومات أساسية وصوراً عن القضية البيئية المطروحة وممارسات شخصية صديقة للبيئة. ويمكن تنزيل البوستر عن موقع الدليل الإلكتروني وطبعه حتى قياس 80 سنتم × 200 سنتم ووضعه على قاعدة للعرض Roll Up أو تعليقه على الحائط.
يتناول الفصل الأول تلوث الهواء، الناجم بشكل رئيسي من حرق الوقود في المصانع ووسائل النقل، ومن حرق النفايات البلدية والزراعية، ومن نشاطات بشرية وصناعية مختلفة، تطلق أبخرة وأدخنة وغازات وجسيمات دقيقة. كما يتطرق الى تلوث الهواء داخل المباني، خصوصاً بالغبار ودخان السجائر وحرق الوقود والأبخرة المنبعثة من المواد الكيميائية. ويحكي عن تلوث الهواء في البلدان العربية والإجراءات الكفيلة بالحد منه.
تغير المناخ هو موضوع الفصل الثاني، الذي يشرح عملية الاحتباس الحراري الناجمة عن تراكم غازات في الغلاف الجوي تمنع ارتداد حرارة الشمس الى الفضاء. وأهم هذه الغازات ثاني أوكسيد الكربون المنبعث من المصانع ومحطات الطاقة ووسائل النقل. وإذ يتغير المناخ تزداد الكوارث الطبيعية تكراراً واشتداداً، مثل الفيضانات والعواصف والأعاصير وموجات الحر والجفاف. وبارتفاع الحرارة تذوب الكتل الجليدية وتتمدد مياه المحيطات ويرتفع مستواها، فتغرق الجزر والشواطئ والأراضي المنخفضة. وبعد عرض الوضع في المنطقة العربية التي ستكون الأكثر تأثراً، دعوة الى المساهمة في مكافحة تغير المناخ بالاقتصاد في استهلاك الطاقة وبزرع الأشجار التي تمتص ثاني أوكسيد الكربون.
الفصل الثالث يتناول الطاقة، وهو على علاقة وثيقة بالفصلين السابقين. النفط والغاز والفحم والطاقة النووية هي المصادر الرئيسية للطاقة في العالم، لكنها مسؤولة عن كثير من التلوث والحوادث الخطيرة. ويعرض هذا الفصل أنواع الوقود الأحفوري التقليدية الملوِّثة والمعرضة للنضوب في يوم من الأيام. ويقارنها بالمصادر البديلة المتجددة التي لا تلوث ولا تنضب، خصوصاً الطاقة المائية، والطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الحرارية من جوف الأرض، وطاقة المد والجزر، فضلاً عن الطاقة التي يمكن إنتاجها من النفايات، مع التركيز على كفاءة الطاقة وسبل الاقتصاد في استهلاكها.
خصص الفصل الرابع لموارد المياه، وهي محدودة جداً، ومع ذلك نهدرها ونلوثها بالنفايات والمواد الكيميائية والأسمدة والمبيدات الزراعية والزيوت والمياه المبتذلة المنزلية والصناعية. ويعرض هذا الفصل الوضع المائي في البلدان العربية الواقعة في أكثر المناطق جفافاً في العالم، وجميعها مهدد بندرة حادة في المياه نتيجة الهدر والتلوث وتغير المناخ. ويتطرق الى مصادر غير تقليدية، مثل تحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف وإعادة استخدامها و»المياه الافتراضية»، مشدداً على أولوية الاستهلاك الرشيد والإدارة الحكيمة للموارد المائية. ويبرز صوراً من الفضاء تكشف بحيرات وأنهاراً جوفية في الصحارى العربية.
موضوع الفصل الخامس البحار والمحيطات التي تغطي أكثر من ثلثي سطح الأرض. وهي دعامة الحياة، إذ تمدنا بالمطر والغذاء، وتؤوي 80 في المئة من الأنواع الحية، ويعيش قربها ثلثا سكان العالم، وتعتمد عليها دول كثيرة في الصيد والتجارة والسياحة. ومع ذلك فنحن نلوثها، ونصطاد أحياءها بلا حدود، ونعاملها كمكبات لنفاياتنا. يعرض هذا الفصل الوضع البيئي للبحار العربية، وهي البحر المتوسط والخليج العربي والبحر الأحمر وخليج عدن. ويركز على الزحف العمراني والصناعي الذي ينهش الشواطئ، وتلوث البحار بالمياه المبتذلة البلدية والصناعية وبالتسربات النفطية. ويحذر من العواقب الوخيمة التي بدأت تظهر جلية، من انهيار الثروة السمكية ونشوء مناطق بحرية «ميتة» الى تدهور شواطئ كانت سياحية في ما مضى فهجرها الناس بسبب تلوث مياهها، وصولاً إلى تغيّر المناخ وذوبان الجليد وارتفاع مياه البحار وغرق جزر وسواحل.
التنوع البيولوجي، الذي أُفرد له الفصل السادس، هو تنوع الحياة على الأرض، ويشمل جميع الكائنات والأنواع الحية وتفاعلاتها مع البيئة. ويقدر العلماء أن نحو 175 نوعاً نباتياً وحيوانياً تنقرض كل يوم، ويحذر بعضهم من أن 40 في المئة من الأنواع الحية، التي تقدر بنحو 8.7 مليون نوع، ستختفي قبل نهاية هذا القرن. يعرض هذا الفصل وضع التنوع البيولوجي عالمياً وفي المنطقة العربية. ويشرح أهم الأخطار التي تهدده، وهي: تغير المناخ، الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، تحويل الأراضي للزراعة والتوسع المدني، التلوث، إدخال أنواع حية غريبة. كما يذكر السبل المتاحة للحفاظ على التنوع البيولوجي.
ويتناول الفصل السابع تدهور الأراضي والتصحر. فعشرات الكيلومترات المربعة من الأراضي المنتجة حول العالم تصبح صحراء كل يوم بسبب الضغوط البشرية. وأهم الأسباب الرعي المفرط، والزراعة المكثفة في تربة فقيرة، وتقنيات الري غير الملائمة، وحرائق الغابات وإزالتها. يلقي هذا الفصل الضوء على التصحر في المنطقة العربية، والتدابير المبذولة والتي يمكن بذلها للتشجير وكبح تدهور الأراضي. وفيه ملحق خاص عن مشروع «مشتل لكل مدرسة» الذي أطلقته مجلة «البيئة والتنمية» لإنشاء مشاتل للأشجار الحرجية في المدارس، مع تعليمات خاصة بتقنيات الزرع والتشجير.
الفصل الثامن مخصص لقضايا الزراعة والأمن الغذائي، اذ ان هناك أعداداً متزايدة من السكان تحتاج الى طعام، يرافقها تناقص مستمر في الأراضي المؤهلة لإنتاج الغذاء. يعرض هذا الفصل عوائق الزراعة في المنطقة العربية، مثل محدودية الأراضي الزراعية ونقص المياه وتقنيات الري غير الملائمة. ويضيء على فداحة استخدام الأسمدة والمبيدات وما يرافقها من تلوث للتربة والمياه الجوفية والمنتجات الغذائية، مع الإشارة الى توجهات محدودة نحو الزراعة العضوية الخالية من المبيدات والأسمدة الكيميائية. ويعرض وضع «الأمن الغذائي» في المنطقة العربية التي تستورد نحو نصف حاجتها من المواد الغذائية، موضحاً التدابير التي يمكن تنفيذها لتعزيز الإنتاج الغذائي وفي طليعتها تحسين كفاءة الري وإنتاجية المحاصيل وتطوير الثروة السمكية والتعاون الإقليمي.
إدارة النفايات هي موضوع الفصل التاسع، الذي يشير الى أن معدل إنتاج النفايات الصلبة في بعض الدول العربية يتجاوز 1.5 كيلوغرام للفرد يومياً، وهذا من أعلى المعدلات في العالم. كثير من هذه النفايات يحرق أو يلقى في الطبيعة، في حين تتناقص الأماكن المتاحة لطمرها. وبعد عرض لإنتاج النفايات الصلبة والسائلة والخطرة في المنطقة العربية، يطرح هذا الفصل حلَّين رئيسيين للحد من المشكلة. الأول يدعى»الإنتاج الأنظف»، أي أن تكون الصناعات أكثر كفاءة بحيث تستعمل مواد أقل وتنتج نفايات وتلويثاً أقل، والثاني هو تدوير النفايات وإعادة استعمالها، فضلاً عن جعل المطامر والمحارق أكثر أماناً بحيث لا تلحق ضرراً بالبيئة والصحة.
وخصص الفصل العاشر لمشكلة الضجيج، لأنه شكل من أشكال التلوث، خصوصاً في المدن حيث ضوضاء السيارات والآلات ومكبرات الصوت ومولِّدات الكهرباء تملأ الأجواء. وهو يوضح التأثيرات السلبية للضوضاء على صحة الإنسان الجسدية والعقلية والعصبية، ويعرض قوانين وتدابير معتمدة في بلدان مختلفة للحد من الضجيج، داعياً الى تجنب البقاء وقتاً طويلاً في أماكن الضوضاء.
أما الفصل الحادي عشر فيتناول التنمية المستدامة التي تدمج الاعتبارات البيئية في التخطيط التنموي ولها ثلاثة أبعاد: النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي وحماية البيئة. وهي تعني تلبية حاجات المجتمع وتحسين مستوى معيشة سكانه من خلال «اقتصاد أخضر» يتضمن مشاريع زراعية وصناعية واجتماعية وعلمية تأخذ في الاعتبار حماية البيئة وصون الموارد الطبيعية. ويعرض هذا الفصل «أهداف التنمية المستدامة» التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2015 وتسعى جميع بلدان العالم إلى تحقيقها بحلول سنة 2030. وهي تتضمن 17 هدفاً تتراوح من القضاء على الفقر والجوع والمرض والأمية إلى توفير المياه والطاقة للجميع وحماية الموارد البرية والبحرية والاستهلاك المستدام ومكافحة تغيّر المناخ. وبعد عرض موجز لتحديات البيئة العربية، يتم تقديم السبل الممكنة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في المنطقة.
الاقتصاد الأخضر هو محور الفصل الثاني عشر، الذي يوضح كيف يمكن تعزيز النمو الاقتصادي وحماية البيئة وضمان المساواة الاجتماعية في آن واحد. ويهتم الاقتصاد الأخضر بجعل جميع القطاعات أكثر كفاءة، فيزيد الإنتاجية، ويقلل كميات المواد والطاقة المستهلكة، ويخفض التلوث، ويقلل إنتاج النفايات. وتوجه الاستثمارات إلى الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية من أجل زيادة إنتاجيتها الاقتصادية والبيئية وقدرتها على خلق وظائف ودعم الفقراء. ويعرض الفصل ممارسات غير مستدامة في القطاعات الاقتصادية المختلفة في المنطقة العربية، وسبل التحول إلى اقتصاد عربي أخضر لا بد منه لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
الفصل الأخير هو عن الاستهلاك المستدام والبصمة البيئية. ويعرف الاستهلاك المستدام بأنه استخدام المنتجات والخدمات بحرص وبطريقة تقلل من تأثيرها على البيئة، بحيث يمكن تلبية الاحتياجات البشرية ليس فقط في الوقت الحاضر بل أيضاً للأجيال القادمة. ويتحقق ذلك من خلال إفادة أكبر بمواد أقل وبطريقة أفضل، مع تقليل النفايات والتلوث إلى حد أدنى. فالبشرية تستهلك حالياً موارد تفوق قدرة الأرض على التجديد. وتتجلى هذه «البصمة البيئية» المدمرة في شكل زوال الغابات وشح المياه العذبة وخسارة التنوع البيولوجي واستنزاف الموارد وإنتاج الملوثات والنفايات. ويتناول الفصل أنماط الاستهلاك في البلدان العربية، خصوصاً في قطاعات المياه والطاقة والغذاء، وسبل تقليص البصمة البيئية للبلدان العربية بحيث لا يتجاوز الطلب على الموارد قدرة الطبيعة على النهوض بأعباء هذا الطلب. وفيه، كما في كل فصل سابق، معلومات عامة وسلوكيات صديقة للبيئة واختبار للمعلومات ونشاطات تطبيقية، إضافة الى بوستر يمكن تنزيله عن الموقع الإلكتروني للدليل.
تلي الفصول ملاحق تضم مواد مفيدة للأساتذة والطلاب وأعضاء النوادي البيئية:
الملحق 1: نصوص بيئية نموذجية يمكن استخدامها للمعلومات البيئية والقراءة والإنشاء والامتحانات.
الملحق 2: اختبارات في المعلومات والممارسات البيئية.
الملحق 3: نصوص لامتحانات الشهادة الثانوية العامة وامتحانات جامعية مأخوذة من مجلة» البيئة والتنمية.»
تم إعداد هذا الدليل بمحبة وحرص ورغبة في إيصال المعلومات والأفكار البيئية الى الطلاب والأساتذة والمنشِّطين، بحيث يكون مرجعاً موثوقاً ومنطلقاً ثابتاً نحو عمل بيئي مدرسي ومجتمعي. يمكن للمنظمات والمؤسسات المعنية اعتماده في الدورات التدريبية على التعليم البيئي، كما يمكن لوزارات التربية في الدول العربية تعميمه على المدارس والبناء عليه لتطوير المحتوى البيئي في المناهج التربوية.
راغدة حداد
محررة الدليل