تنزيل كامل الفصل
 
نصوص بيئية نموذجية
«تنّورة» التي خذلها السياسيون تروي حدائقها بالمياه الرمادية
 
نادين حداد /


الأطفال يركضون جيئة وذهاباً حاملين «غالونات» فارغة، فيما أمهاتهم يوضبن الغالونات المملوءة بالماء في عربات اليد. وحمار ينتظر على جانب الطريق لكي يحمّله صاحبه براميل الماء، فيما يطلق سائق صهريج بوقه لاخلاء الطريق. الجمع ينتظر انتهاء زهية وبناتها من تعبئة آخر غالون من عين بلدة تنورة. قالت لنا زهية: «كل هذا العناء من أجل تعبئة قليل من الماء الذي لا أستعمله الا لمسح الأرض. فهو ملوث جداً، حتى أنني لا أغسل به ملابس العائلة».

بلدة تنورة اللبنانية في قضاء راشيا لا تعاني فقط من نقص المياه، بل من جميع المشاكل المتعلقة بالمياه. فمنازلها لم تصلها امدادات المياه البلدية، والمياه الجوفية في خراجها عميقة جداً مما يجعل استخراجها غير اقتصادي. وعين البلدة، التي كانت المصدر الوحيد للشرب، باتت ملوثة بمياه الصرف الى حد لا يمكن استعمال مياهها في غسل الصحون أو حتى الملابس، بل فقط لتنظيف الأرضيات وري نباتات الزينة خلال فصول الصيف الجافة الطويلة في وادي البقاع.

يترتب على أهالي تنورة شراء المياه التي تنقلها شاحنات صهريجية بكلفة 10 دولارات لكل 2000 ليتر، ما يرهق كاهل العائلات التي تعيش بدخل شهري لا يتجاوز 450 دولاراً كمعدل وسطي، وتحتاج الى أربع حمولات في الشهر. وبما أن بعض المقيمين لا يستطيعون تحمل هذا العبء، كان عليهم أن يتبعوا سلوكيات مقتصدة. فمعظم العائلات تعيد استعمال المياه مرتين أو ثلاث مرات قبل تصريفها في الحفرة الصحية. على سبيل المثال، تجمع مياه غسل الصحون والملابس لتنظيف الأرضيات، ومن ثم تجمع من جديد لاستعمالها في المراحيض. والحقيقة أن أحواض الجلي ومرشات الاستحمام (دوش) ليست خياراً شائعاً في منازل البلدة، لأنها تستهلك كثيراً من المياه ولا يسهل تجميعها لاستعمالها مجدداً.

لو كانت هناك مسابقة عالمية لإدارة الطلب على المياه، لفازت تنورة بالجائزة الأولى!

منذ عشرين عاماً وبلدية تنورة تحاول حل عقدة المياه بالتعاون مع شخصيات نافذة في المنطقة. ولكن حتى الآن لم ينفذ أي مشروع بشكل كامل ولم يتم الوفاء بأي وعد. في موسم الانتخابات كل أربع سنوات، تُقترح المشاريع وتُقطع الوعود وتراود الأهالي الآمال، لكن شيئاً لم يتحقق.

أتى عام 2006 ببعض الأمل لأهالي تنورة، عندما شرع مركز الشرق الأوسط للتكنولوجيا الملائمة (MECTAT) في تنفيذ مشروع لمعالجة «المياه الرمادية» الناتجة عن أحواض الجلي في المطابخ وغسالات الملابس وأحواض الاستحمام، واعادة استخدامها كمورد موجود لم يستغل حتى الآن ويمكنه توفير مياه الري وتعزيز انتاج المزروعات الغذائية في الحدائق المنزلية.

يستفيد من المشروع 30 منزلاً في البلدة. وقد زوِّد كل منزل مجموعة من ثلاثة براميل أو أربعة، تعالج فيها المياه الرمادية بطريقة طبيعية، حيث تعمل بكتيريا لاهوائية على تفكيك المواد العضوية الموجودة في المياه. ومن ثم تضخ الى شبكة للري بالتنقيط تركب في الحديقة.

تقول أمل سرحال: «بفضل مشروع المياه الرمادية، أستطيع الآن الاستفادة من حديقتي القاحلة، فأزرع الخضر والفاكهة لأطفالي باستعمال المياه التي نستهلكها في المنزل، من دون كلفة أو جهد».

مشروع المياه الرمادية ليس مجرد بحث علمي، وانما ينطوي أيضاً على عنصر اجتماعي وتثقيفي تشاركي هدفه تحسين نوعية حياة الأهالي. ويتم تمكين النساء من خلال دورات تدريبية ونشاطات تتطلب اتخاذ قرارات. ونجاح المشروع في تنورة، وتسع بلدات أخرى في قضاء راشيا، من شأنه أن يشجع الحكومة على تبنّي مشاريع صغيرة لمعالجة المياه الرمادية يسهل تنفيذها وتعم فائدتها على المستويين المنزلي والمجتمعي.

بلدة تنورة ليست استثناء في العالم العربي، فهناك ألوف البلدات التي تعاني من المشاكل ذاتها، حيث الاهمال السياسي يبقي نقص المياه قضية حياتية حتى في هذا العصر الحديث.


 
 
 
العودة
نشاطات مدرسية
إختبر معلوماتك
مسرحيات
و أغاني
افلام
وثائقية
بوستر
للطباعة
إختبارات بيئية
         
  © Albiaa 2012 By Activeweb ME