نعيش، ويعيش العالم، في ظل ترقب مشوب بالمخاوف بشأن احتمالات تغير المناخ. وقد وضع المجتمع الدولي اتفاقية إطارية دولية عن تغير المناخ، وأردفها بملحق هو بروتوكول كيوتو الذي حدد مسؤوليات الدول في اطار التعاون لدرء مخاطر التغيرات المناخية. الاقليم العربي جزء من العالم، فأين هو من المساعي الدولية في هذا الشأن؟
كونت المؤسسات الدولية لجنة دولية كبرى لدراسات تغيرات المناخ، وقد أصدرت هذه اللجنة تقريرها الرئيسي الرابع عن شؤون تغير المناخ عام 2007. عند نشأة هذه اللجنة الكبرى في أواخر الثمانينات كان أحد فرسانها البارزين العالم السعودي الدكتور عبدالبر القين، ولكن وفاته رحمه اللـه حرمت الاقليم العربي من صوت بارز لم يعوض. ودول الاقليم العربي جميعاً لم تنشئ المؤسسات العلمية التي تتدارس موضوع تغيرات المناخ المحتملة في غضون القرن الحادي والعشرين. ان دراسات تغير المناخ، شأنها في ذلك شأن دراسات قضايا البيئة جميعاً، تشتمل على ثلاثة عناصر أساسية، هي بحوث علمية لتقصي مشكلة تغير المناخ وتحليل عناصرها، والآثار المحتملة لتغير المناخ على بيئة المحيط الحيوي، ووسائل مقابلة الآثار المحتملة وعلاج أضرارها. وتضع اللجنة الدولية لتغير المناخ تقاريرها الرئيسية في ثلاثة مجلدات تتناول هذه العناصر الثلاثة.
ليس بين أيدينا دراسات عربية تضيف الى المعارف العلمية. وتقارير اللجنة الدولية الشاملة تنادي على الاقاليم أن تنهض بدراسات على المستوى الاقليمي لأن دراسات المستوى العالمي لا تبين التفاصيل الاقليمية.
تقول الدراسات العالمية، مثلاً، بأن مستوى سطح البحر سيرتفع بفعل أثر زيادة درجات الحرارة على تمدد المياه وأثر ذوبان تكاوين الجمد، والشواهد على هذا الذوبان واضحة للمراقبين وخاصة باستخدام تقنيات الاستشعار عن بعد. البلاد العربية لها سواحل بحرية تمتد آلاف الكيلومترات، بينها مناطق ماهولة تقع على 18.000 كيلومتر من السواحل. والنطاقات الساحلية في الاقليم العربي جميعاً عامرة بالمدن ومستقرات السكن ومراكز الصناعة والتنمية، وهي نطاقات تتهددها مخاطر ارتفاع سطح البحر، والنطاقات المنخفضة مثل دلتا نهر النيل وشط العرب تواجه مخاطر الغرق. لا أجد في بلاد الاقليم العربي آذاناً صاغية لهذا الأمر، ولا أحد يتدبر السبل لدرء هذه المخاطر. أتمنى أن تنشأ في الاقليم العربي لجنة ذات قدر وذات دعم من سلطات السياسة لتقوم بدراسات الآثار المحتملة لتغيرات المناخ، وأن يكون لدى هذه اللجنة العربية لدراسات تغير المناخ الموارد المالية السخية التي تعينها على عملها وتمكنها من حشد الامكانات العلمية في الجامعات ومراكز البحوث العربية للنهوض بمسؤوليات الدراسة.
شُغلت وفود الدول العربية المنتجة للبترول بالقضايا المتصلة بوسائل توقي مشاكل الدفء الكوني وتوابعه من تغيرات المناخ، وهي وسائل تهدف في جملتها الى الاقتصاد في استهلاك الوقود عن طريق زيادة كفاءة التقنيات المستخدمة. كانت وفود هذه الدول تعارض كل حديث عن أمور قد تؤثر على سوق البترول، وهي نظرة قصيرة المدى لأن العالم سيظل على مدى السنوات القادمة يعتمد على الوقود الحفري، ولأن من مصلحة الدول المنتجة أن ترشّد معدلات الاستخراج حتى لا تنضب موارد البترول في القريب. الترشيد هو أساس التنمية المستدامة.
الاقليم العربي يتمتع بالشمس الساطعة والرياح، وهي مصادر للطاقة لا تنضب. البحث العلمي والتطوير التكنولوجي هما السبيلان الوحيدان لتحويل هذه الطاقة الى عناصر للتنمية والثروة. الاقليم العربي ودوله في حاجة الى جهد وعزم للمشاركة في المساعي العالمية بحثاً عن سبل الرشاد في ادارة المحيط الحيوي لكوكب الأرض. الذين لا يشاركون قد يجدون الراحة في مواقع المتفرجين، ولكنهم يضعون أنفسهم في مواقع المهمشين.
يزدهي الاقليم العربي بجامعات عديدة ومراكز للبحوث العلمية يحتشد فيها آلاف من الأساتذة الباحثين المؤهلين للنهوض بمسؤوليات البحث العلمي في سائر مجالات المحيط الحيوي ومنها المناخ. في غياب السياسات الوطنية ينطلق الجهد العلمي الى مجالات الاهتمام والتخصص للباحثين. لكن دراسات المناخ على المستوى الوطني وفي اطار التعاون الاقليمي متعددة العناصر، تحتاج الى تنظيم علمي يضع خططها ويوزع مسؤولياتها ويربط بين نتائجها، ويتيح الامكانات التي تدعم عناصر الأداء في الجامعات ومراكز البحوث. مثل هذا التنظيم العلمي الفاعل غائب.
جرى حديث في مؤتمر القمة العربي الذي عقد بالرباط في سبعينات القرن العشرين عن مؤسسة عربية للبحث العلمي، واستكملت المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة دراسة تفصيلية عن هذه المؤسسة. وما زال الأمر في إطار الحلم
|