يؤكد تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) “الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغيّر” أنه، على رغم ضرورة حماية القيم الأصيلة الكامنة في الأنظمة البيئية، فإن الدعوات للمحافظة على سلامة هذه الأنظمة ليست بهدف حماية غابات الأرض ومحيطاتها ومناخها من أجل الطبيعة فحسب، بل هي تهدف أيضاً إلى تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية المحيطة بالأجيال البشرية الحالية والقادمة. ولا يمكن اعتبار مظاهر مثل نقص الماء العذب وتأكّل التربة السطحية وامتلاء الجو بالمواد السامة مجرد عواقب غير مقصودة للنمو الاقتصادي يمكن تحملها وقبولها. وإذا لم تعالج هذه الأضرار البيئية بحكمة فإنها، مع مرور الوقت، ستتفاقم بحدة وتؤدي آثارها المتراكمة إلى إجهاد شامل يطال الموارد والاقتصادات والصحة، حتى أن انعكاساتها قد تسبب التفكك الاجتماعي والاضطرابات السياسية. وهذه تكاليف باهظة ومدمرة بالنسبة لأي مجتمع.
لطالما كانت الأرزاق والاقتصادات تعتمد على الموارد والخدمات التي تتيحها هبات الطبيعة. لذلك فإن زيادة تدهور الموجودات الطبيعية والبيئية نتيجة لأنشطة الإنسان سوف تُضعف القدرة الإنتاجية الطويلة الأجل لهذه الأنظمة الإيكولوجية، من بحار وأنهار وبحيرات وغابات ومراع وغيرها، التي تعتمد عليها الاقتصادات لتلبية احتياجاتها الأساسية، ومنها المياه النظيفة والطعام والألياف والأدوية. لذا ينبغي أن نتبع نمط عيش أكثر اتزاناً وبرنامجاً يخدم التقدم الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالتساوي. هذه المجالات الثلاثة مترابطة، ومحاولات تسريع النمو الاقتصادي بأساليب تُضعف الأوضاع البيئية أو الاجتماعية لا بد من أن تقوّضها المضاعفات وعوامل الإجهاد المتراكمة.
ممارسات غير مستدامة في المنطقة العربية
ساهمت مداخيل النفط والغاز في النمو الاقتصادي والاجتماعي السريع في كثير من البلدان العربية، لكن اقتصاداتها ظلت على مدى العقود الماضية تتأثر بتقلبات أسعار النفط العالمية، ما عرضها لخضات اقتصادية قاسية. ولعل فشل الدول العربية في تنويع اقتصاداتها عن طريق التطوير الزراعي والصناعي يفسّر عدم قدرتها على خلق فرص عمل حقيقية كافية.
لقد ساهمت صيغ التنمية الاقتصادية التي تبنّتها الدول العربية في إفقار البيئة، فتراجعت مستويات جودة الهواء والماء والتربة بشكل متواصل. مثلاً، الانبعاثات السامة التي تطلقها معامل الكهرباء والسيارات والمصانع في الهواء تسبب الأضرار لكل الناس المعرّضين لتلوث الهواء. وتفريغ مياه الصرف في الأنهر أو البحيرات قد يجعل المياه العذبة غير صالحة للاستعمال. أما الأساليب الزراعية غير المستدامة والإفراط في الرعي فيسببان تأكل التربة ويخفضان إنتاجية الأرض تدريجياً. كما أن الإفراط في استغلال موارد المياه فوق حدود تجددها سوف يسرّع وتيرة نضوب هذه الموارد ويحرم الأجيال القادمة من إمكانية استخدامها. ولا شك في أن مثل هذه السلبيات البيئية تكلف خسائر اقتصادية باهظة وتحد من رفاه الناس والمجتمعات.